سورة الأحزاب - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


قوله عز وجل: {إذ جاؤوكم من فوقكم} أي من فوق الوادي من قبل المشرق وهم أسد وغطفان وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود قريظة {ومن أسفل منكم} يعني من بطن الوادي من قبل المغرب وهم قريش وكنانة عليهم أبو سفيان بن حرب من قريش ومن تبعه، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق وكان الذي جر غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير من ديارهم {وإذا زاغت الأبصار} أي مالت وشخصت من الرعب وقيل مالت عن كل شيء فلم تنظر إلى عدوها {وبلغت القلوب الحناجر} أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع والحنجرة جوف الحلقوم، وهذا على التمثيل عبر به عن شدة الخوف، وقيل معناه أنهم جبنوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته وإذا انتفخت رئته رفعت القلب إلى الحنجرة فلهذا يقال: للجبان انتفخ سحره {وتظنون بالله الظنونا} أي اختلفت الظنون بالله فظن المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم.


{هنالك ابتلي المؤمنون} أي عند ذلك اختبر المؤمنون بالحصر والقتال ليتبين المخلصون من المنافقين {وزلزلوا زلزالاً شديداً} أي حركوا حركة شديدة {وإذ يقول المنافقون} يعني معتب بن قشير وقيل عبد الله بن أبيّ وأصحابه {والذين في قلوبهم مرض} أي شك وضعف اعتقاد {ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً} هو قول أهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا هو الغرور. قوله تعالى: {وإذ قالت طائفة منهم} أي من المنافقين وهم أوس بن قيظي وأصحابه {يا أهل يثرب} يعني يا أهل المدينة وقيل يثرب اسم الأرض ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها سميت يثرب باسم رجل من العماليق كان قد نزلها في قديم الزمان وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب وقال هي طيبة كأنه كره هذه اللفظة لما فيها من التثريب وهو التقريع والتوبيخ {لا مقام لكم} أي لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه {فارجعوا} أي إلى منازلكم وقيل عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقيل عن القتال {ويستأذن فريق منهم النبي} يعني بني حارثة وبني سلمة {يقولون إن بيوتنا عورة} أي خالية ضائعة وهي مما يلي العدو ونخشى عليها السراق فكذبهم الله تعالى بقوله: {وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً} أي أنهم لا يخافون ذلك إنما يريدون الفرار من القتال {ولو دخلت عليهم في أقطارها} يعني لو دخل هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحزاب من نواحي المدينة وجوانبها {ثم سئلوا الفتنة} أي الشرك {لأتوها} أي لجاؤوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام {وما تلبثوا بها} أي ما احتبسوا عن الفتنة {إلا يسيرا} أي لأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبة به نفوسهم، وقيل معناه وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا. قوله عز وجل: {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} أي من قبل غزوة الخندق {لا يولون الأدبار} أي لا ينهزمون، قيل هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها، وقيل هم أناس غابوا عن وقعة بدر فلما رأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن فساق الله إليهم ذلك {وكان عهد الله مسؤولاً} أي عنده في الآخرة {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل} أي الذي كتب عليكم لأن من حضر أجله مات أو قتل لا بد من ذلك {وإذاً لا تمتعون} أي بعد الفرار {إلا قليلاً} أي مدة آجالكم وهي قليل {قل من ذا الذي يعصمكم} أي يمنعكم {من الله إن أراد بكم سوءاً} أي هزيمة {أو أراد بكم رحمة} أي نصراً {ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً} أي ناصراً يمنعهم {قد يعلم الله المعوقين منكم} أي المثبطين الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} أي ارجعوا إلينا ودعوا محمداً صلى الله عليه وسلم فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك، قيل هم أناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحماً لالتهمهم أي ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك.
وقيل نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إليهم ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداً وإنا نشفق عليكم فأنتم إخواننا وجيراننا هلموا إلينا فأقبل عبد الله بن إبيّ ابن سلول وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، وقالوا لئن قدر اليوم عليكم لم يستبق منك أحداً أما ترجعون عن محمد ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ها هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنين بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً وقوله تعالى: {ولا يأتون البأس} يعني الحرب {إلا قليلاً} أي رياس وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيراً.


{أشحة عليكم} أي بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة وصفهم الله بالبخل والجبن {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم} أي في رؤوسهم من الخوف والجبن {كالذي يغشى عليه من الموت} أي كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيه أسبابه فإنه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف {فإذا ذهب الخوف} أي زال {سلقوكم} أي آذوكم. ورموكم في حالة الأمن {بألسنة حداد} أي ذربة تفعل كفعل الحديد قال ابن عباس معناه عضوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة، وقيل بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا فإنا شهدنا معكم القتال فلستم بأحق بالغنيمة منا فهم عند الغنيمة أشجع قوم وعند الحرب أجبن قوم {أشحة على الخير} أي يشاحون المؤمنين عند الغنيمة فعلى هذا المعنى يكون المراد بالخير المال {أولئك لم يؤمنوا} أي لم يؤمنوا حقيقة الإيمان وإن أظهروا الإيمان لفظاً {فأحبط الله أعمالهم} أي التي كانوا يأتون بها مع المسلمين قيل هي الجهاد وغيره {وكان ذلك على الله يسيراً} أي إحباط أعمالهم مع أن كل شيء على الله يسير. قوله تعالى: {يحسبون} يعني هؤلاء المنافقين {الأحزاب} يعني قريشاً وغطفان واليهود {لم يذهبوا} أي لم ينصرفوا عن قتالهم جبناً وفرقاً وقد انصرفوا عنهم {وإن يأت الأحزاب} أي يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} أي يتمنون لو أنهم كانوا في بادية مع الأعراب من الجبن والخوف {يسألون عن أنبائكم} أي عن أخباركم وما آل إليه أمركم {ولو كانوا فيكم} يعني هؤلاء المنافقين {ما قاتلوا إلا قليلاً} يعني يقاتلون قليلاً يقيمون به عذرهم فيقولون قد قاتلنا معكم وقيل هو الرمي بالحجارة وقيل رياء من غير احتساب.
قوله عز وجل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} أي قدوة صالحة أي اقتدوا به اقتداء حسناً وهو أن تنصروا دين الله وتؤازروا رسوله ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ قد كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه وأوذي بضروب الأذى فصبر وواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضاً واستنوا بسنته {لمن كان يرجوا الله} يعني أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله قال ابن عباس يرجو ثواب الله {واليوم الآخر} يعني ويخشى يوم البعث الذي فيه الجزاء {وذكر الله كثيراً} أي في المواطن على السراء والضراء ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال تعالى: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله} أي قالوا ذلك تسليماً لأمر الله وتصديقاً بوعده {وصدق الله ورسوله} أي فيما وعدا وهو مقابلة قول المنافقين {ما وعدنا الله إلا غروراً}
وقولهم {وصدق الله ورسوله} ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله ورسوله قبل الوقوع، وإنما هو إشارة إلى البشارة في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس، وقيل إنهم وعدوا أن تلحقهم شدة وبلاء فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا هذه ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله {وما زادهم إلا إيماناً} أي تصديقاً لله {وتسليماً} أي لأمره. قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} أي قاموا بما جاهدوا الله عليه ووفوا به {فمنهم من قضى نحبه} أي فرغ من نذره ووفى بعهده وصبر على الجهاد حتّى استشهد، وقيل قضى نحبه يعني أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد وقيل قضى نحبه استشهد يوم بدر وأحد {ومنهم من ينتظر} يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إما الشهادة أو النصر على الأعداء {وما بدلوا} يعني عهدهم {تبديلاً}.
(ق) عن أنس قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون قال اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحاً من دون أحد فقال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: من المؤمنين رجال صدقوا ما عدهوا الله عليه إلى آخر الآية.
(ق) عن خباب بن الأرت قال: «هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله. فوقع أجرنا على الله فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة وكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدت رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه سلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الأذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها» النمرة كساء ملون من صوف، وقوله ومنا من أينعت أي أدركت ونضجت له ثمرته، وهذه استعارة لما فتح الله لهم من الدنيا، وقوله يهدبها أي يجتنيها ويقطعها. عن أبي موسى بن طلحة قال: «دخلت على معاوية فقال ألا أبشرك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه» أخرجه الترمذي. وقال هذا حديث غريب.
(خ) عن قيس ابن أبي حازم قال: «رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7